في أجواء احتفالية نابضة بروح المبادرة، وتحت شعار “الرياضة رافعة للتنمية والتطور”،احتضنت قاعة النسيج الجمعوي بوجدة، مساء الجمعة 14 نونبر 2025، ندوة نظمتها جمعية رياضة وصداقة لجهة الشرق بحضور شخصيات وطنية بارزة ووجوه رياضية وازنة. فقد شارك في هذا الموعد كل من والي جهة الشرق محمد عطفاوي، والوزيرين السابقين إدريس العلوي المدغري ونجيمة غزالي طاي طاي، إلى جانب الخبير الدولي عبد المالك لهبيل، والحاج محمد برادة نائب رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، ومجيد بلحاج الرئيس السابق لنهضة بركان، إضافة إلى نخبة من قدماء الرياضيين وأطر الشأن الرياضي بالجهة.

وفي كلمته الافتتاحية، توقف رئيس الجمعية جمال الدين خلفاوي عند الدينامية الجديدة التي باتت تعرفها الرياضة الوطنية، مستحضرًا الإنجاز التاريخي لمنتخب الشباب بعد تتويجه بكأس العالم، ومشيدًا بالدور المتقدم للوالي الخطيب الهبيل، قبل أن يعبر بثقة عن استمرار الانخراط في مسار دعم المشاريع ذات البعد الرياضي في ظل الرؤية التنموية الجديدة.

وأكد خلفاوي أن التحول الذي تشهده الرياضة المغربية اليوم يعكس النظرة المتبصرة للملك، باعتبار الرياضة قاطرة لترسيخ قيم المواطنة، وعنصرًا محوريًا لإعادة توجيه طاقات الشباب نحو آفاق أكثر رحابة. كما دعا مختلف مكونات جهة الشرق إلى الانخراط بقوة في جعل الرياضة رافعة حقيقية للتنمية المحلية.
وأشار المتحدث إلى أن هذه الندوة لا تمثل مجرد لقاء فكري، بل تعدّ محطة أولى في مسار واعد، وفرصة للاحتفاء بوجوه بصمت تاريخ الرياضة الجهوية، ولتجديد الالتزام بالعمل الجماعي من أجل بناء مستقبل يجعل من الرياضة جسرًا نحو الارتقاء والاندماج وتطوير حياة الشباب.
استهلّ الدكتور مولاي إدريس العلوي المدغري، الوزير السابق والأستاذ الجامعي والكاتب المهتم بقضايا الذكاء الاصطناعي، مداخلته بتسليط الضوء على التحولات الكبرى التي يشهدها المجال الرياضي في ظل الثورة الرقمية.

وأبرز أن الذكاء الاصطناعي أصبح رافعة أساسية لتحسين الأداء الرياضي، سواء على مستوى التحليل التكتيكي، أو تدبير المعطيات الضخمة للاعبين، أو تطوير خطط التدريب المعتمدة على المؤشرات البدنية والذهنية.

وأوضح أن الرياضة في عصر الذكاء الاصطناعي انتقلت من الاعتماد على التقدير والخبرة التقليدية إلى الاعتماد على النماذج التنبؤية، التي تتيح للمدربين بناء قرارات دقيقة وتحسين البرامج التدريبية اعتمادًا على بيانات آنية ومحلَّلة. كما شدّد على أهمية إدماج التقنيات الحديثة في منظومة التكوين الرياضي، لضمان جيل من الأطر قادر على التأقلم مع التحولات الرقمية العالمية.

وختم مداخلته بالتأكيد على أن المغرب يمتلك المقومات العلمية والبشرية للاستفادة من هذه الثورة، شرط تطوير سياسات عمومية مندمجة تُعزّز الابتكار وتُسهِم في بناء منظومة رياضية أكثر مهنية وتنافسية.

في مداخلة وافية، تناول الإعلامي والباحث الدكتور جمال المحافظ واقع الإعلام الرياضي بالمغرب، مشيرًا إلى أنّه يعيش مرحلة انتقالية دقيقة تفرض عليه إعادة ترتيب أولوياته وتجويد أدوات اشتغاله. وأبرز أنّ أهم التحديات تتمثل في:
ضعف التخصص داخل المؤسسات الإعلامية، إذ ما يزال الإعلام الرياضي يعتمد في جزء كبير منه على تغطيات كلاسيكية تفتقر إلى التحليل المعمّق.
تأثير الرقمنة، حيث أصبحت الشبكات الاجتماعية مصدرًا رئيسيًا للمعلومة الرياضية، ما يفرض على الصحافة الرياضية التقليدية إعادة بناء نموذجها التحريري.

الحاجة إلى التكوين المستمر للصحافيين، قصد الإحاطة بعلوم تحليل الأداء، وقوانين الألعاب، والتواصل الرياضي.
وفي مقابل هذه التحديات، أكد المحافظ أنّ هناك رهانات واعدة، من بينها صعود جيل جديد من الإعلاميين، وتزايد الطلب المجتمعي على إعلام رياضي مهني يرتقي بالنقاش الرياضي من مجرد متابعة المباريات إلى تحليل السياسات الرياضية وأثرها التنموي.

ركّز الخبير والمحاضر الدولي عبد المالك لهبيل على الدور الحاسم للبنيات التحتية الرياضية كركيزة لأي إقلاع رياضي حقيقي. وأوضح أن الاستثمار في المنشآت الرياضية ليس مجرد ترف، بل عنصر أساسي لجذب الأحداث الرياضية الكبرى وتعزيز جاذبية الجهات والمجالس الترابية.
وتطرق في مداخلته إلى ثلاثة محاور أساسية:
تأهيل البنيات التحتية القائمة، عبر اعتماد معايير الجودة والسلامة الدولية، وتحديث المرافق لتتلاءم مع متطلبات الممارسين والجماهير.
إحداث مشاريع رياضية جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص، والمستثمرين المحليين والدوليين، خاصة في مجالات التكوين، والرياضات القاعدية، والبنيات المتعددة الوظائف.
التعاون الدولي، الذي اعتبره رافعة محورية لنقل التجارب الناجحة وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع رياضية مبتكرة، بما يعزز مكانة المغرب كفاعل رياضي إقليمي.
وأكد لهبيل أن تحقيق نهضة رياضية شاملة يتطلّب رؤية متكاملة تربط بين الحكامة، التمويل، والتخطيط الاستراتيجي، مع إشراك جميع المتدخلين في صياغة سياسات الرياضة.
عرف اللقاء لحظة احتفاء خاصة مبرزة لقيم الاعتراف، حيث جرى تكريم مجموعة من الفعاليات الرياضية الجهوية التي قدّمت خدمات جليلة للرياضة. وشمل التكريم لاعبين سابقين، مؤطرين، ومسؤولين ساهموا في إشعاع الرياضة الجهوية، اعترافًا بمساراتهم المشرفة وبأثرهم الإيجابي في تعزيز القيم الرياضية داخل المجتمع.

واختُتمت فعاليات هذا الموعد الرياضي بتلاوة برقية ولاء وإخلاص إلى الملك محمد السادس نصره الله.







