
الكاتب والناقد المغربي:عبد الحفيظ بولحوال
السخرقراطية، اكتشاف أدبي جديد، ليست نزوة كتابة في فضاء سياسي ضيق أو زاوية في صحيفة ستطوى بعد صدور العدد الجديد منها، إنها السم الدسم الذي يوضع طواعية في قدر الأدب، أو تمائم تطلق أبخرتها لطرد نحس أدباء عظام سوقوا السخرية على مقاسات خاصة يطلقونها تارة ويحجمون عنها طورا.
خسئ برنارد شو و الجاحظ وغيرهم، وهم اليوم يعضون على أناملهم من الغيظ، لأن السخرية اليوم لم تعد طابو ولا سرا لا يطلع عليه سواهم. هي اليوم ديمقراطية السخرية، أو السخرية الديمقراطية. الفضاء صار أرحب من ذي قبل والشبكة العنكبوتية فسحت المجال للإبداع والضحك حتى الثمالة، فعاشت العنكبوت رمزا للانعتاق، كما كان الشأن مع سيد الخلق وصاحبه في الغار، وعاشت رمزا للانطلاق دون قيود.
اليوم يحق لنا جميعا أن نبدع وأن نتلاعب بالألفاظ وأن نتمرد على القاموس، دون أن تطاردنا سياط السلطة، لأن السخرية لم تعد زادا نتلقاه من المتسلطين بشكل عمودي، بل رابط أفقي في مكان أرحب مما كنا نتصور، أثثته الفضاءات الاجتماعية الافتراضية.
وأنا أقلب الكلمة وهي أشبه بمخلوق غريب، كبرت بدواخلي فكرة، أن الأستاذ الحسين قيسامي، قد جن ذات ليلة، وأبدع جنونه، مصطلحا صارا جزءا من عائلة قاموس المعاني، ومادة دسمة لبحث أكاديمي، لو توفر له سبل النجاح، سيكون طفرة في أزمنة الألوان الأدبية الإبداعية كلها.
الأستاذ الحسين قيسامي ليس غريبا عن فضاءات الكلمة / ضحية اللعب والتلاعب، فهو الذي أبدع استعارة الأزمنة ليتهكم بواقع سياسي عشناه ولا زلنا، استعار من بوكماخ نصوصه ومن ابن المقفع حيواناته ومن ستيفن كرين أزمنته التي لم يعشها وأبدع في تصويرها ومن شو تهكمه باللغة الإنجليزية في عقدها مع الحروف التي تكتب بأشكال مختلفة حسب السياق، فكان أبلغ وأفصح في تعابيره وأروع في رسم صور من خلال مقالات صحافية حيكت بدقة في ثوب أدبي صرف، ومن يومها وأنا أجزم أن الرجل لا يتلاعب ولا يلعب، بل يؤسس لمدرسة أدبية جديدة لبنتها السخرية، فوجد في الواقع العربي حقلا خصبا لنمو شتائله.
علينا اليوم أن نأخذ حذرنا من هذا الرجل، لأنه إنسان غير عاد، وأن نتعقب أثره كل مرة، حتى لا يحول اللغة في عملية ميتامرفوزية، قد تلغي المعاجم، بل وقد تصفها بالعقم،وإلى ذلك الحين، تبقى السخرقراطية اكتشافا لغويا يغري بالكثير من المتابعة والبحث.


