
حلت في العشرين من هذا الشهر ذكرى اليوم الوطني للمعاق، وهي محطة يلتفت فيها إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، ما تحقق لفائدتها وما بقي من تحديات لم يتم بلوغها بعد. المناسبة تذكرنا أن بوجدة توجد جمعية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، رائدة على المستوى الوطني، في مجال الرعاية الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة والفئات في وضعية هشاشة.
بنايتها من الخارج توحي أنك أمام صرح اجتماعي كبير، مؤسسة تفرض الاحترام على زائرها بنظامها الخاص، ولافتاتها التي تؤرخ لمراحل عمرية مرت بها هذه الجمعية بدء من سنوات الصراع والخراب، الى فترة فرض النظام، والانصياع لنسق خاص لا صوت فيه يعلو صوت ذوي الاحتياجات الخاصة وصوت المصداقية والدقة في العمل، لأن السواعد داخل هذه المؤسسة جاءت من أجل هذا الهدف، ولأن الزمن زمن الحكامة الجيدة، حيث ترتبط المسؤولية بالمحاسبة، وكذلك لأن هذه المؤسسة حظيت بزيارتين ملكيتين، أعطتاها صفة الجمعية الفريدة قولا وفعلا، من خلال ما يتم تحقيقه سنة بعد أخرى في مجالات الرعاية الاجتماعية والتربية والتكوين
وانت تلج الى جمعية الشبيبة لذوي الاحتياجات الخاصة وأصدقاؤها يخيل اليك أنك داخل منظومة شعارها العمل والنظام واحترام المحيط ومكوناته، على يسارك تصطف مكاتب إدارية تطل منها وجوه بشوشة وأحيانا متفحصة تنتظر من الزائر تبرير الهدف من اقتحام خلوة هذا العالم الذي يسير على نبض الساعة.
على بعد خطوات تداهمك قاعة كبرى، هي بالطبع القاعة المتعددة الوسائط. وأنت تجوب ببصرك حول هذا الفضاء تكتشف أنه مراقب بالكاميرات لتتبع كل شاردة وواردة تقع بالمؤسسة…إنها مسؤولية كبرى إزاء أطفال بمثابة عهدة في ذمة القائمين على الجمعية، خاصة فئة ذوي الاحتياجات الخاص، هذه القاعة لا تترك لك مجال التجول بنظرك على اليمين، نحو ممر انحداري يؤدي إلى المقصف والمخبزة وبعض قاعات الدرس، إضافة إلى أهم مكان بهذا الفضاء، المطبخ الذي يعرف حركة مستمرة ودؤوبة.
وأنت تقترب من البوابة الرئيسية للقاعة التي تسلب الألباب بتصميمها، ينبعث صوت نسوي يتراوح بين النعومة والقوة والانسيابية، إنه الصوت الغالب في هذه المؤسسة، صوت الحاجة حورية عراض. هذه السيدة وأنت تجالسها، تحس أنها منظومة مبرمجة بدقة لا متناهية على المواعيد واللقاءات والاجتماعات والزيارات واستقبال الوفود…نعم الوفود لأن حورية عراض التي أفنت شبابها وهي تلملم أشلاء جمعية عاثت فيها الأيادي الآثمة فسادا، نجحت في إحياء هذه الجمعية التي أصبحت قبلة للشركاء من داخل وخارج المغرب، من جهات حكومية وغير حكومية، بل الأكثر من ذلك فقد تحولت إلى مرجع يحتذى به عند الشركاء الدوليين، الذين لا يتوانون عن توطيد الصلة، كون جمعية الشبيبة هي الأولى والوحيدة التي تحترم التزاماتها مع الشركاء وطورت نفسها لتكون رائدة في إعداد المشاريع ذات البعد الاجتماعي، و الاقتصاد الاجتماعي أيضا، والمطلب ملح أكثر من أي وقت مضى، من أجل تقاسم تجاربها للرفع من أداء عدد من الجمعيات بالجهة الشرقية ومن خارجها.
اتخذت الحاجة حورية من ركن بالقاعة المتعددة الوسائط، شبه مكتب لها وقد تخلت عن مكتبها بالطابق العلوي بالجناح الإداري لتكون قريبة من نزلاء الجمعية من ذوي الاحتياجات الخاصة وقريبة أيضا من رواد الجمعية، وبغض النظر عن هذا وذاك تريد هذه السيدة الابتعاد ما أمكن عن البروتوكول والمظاهر الفارغة، كونها عملية بالفطرة. تجالسك وتفتح باب النقاش معك وعينها تارة على هاتفها في انتظار مكالمة مهمة وتارة أخرى على وثيقة وردت عليها في آخر اليوم من جهة وزارية او منظمة شريكة، وتستوجب الرد السريع…وفي خضم ذلك تتذكر وتراجع جملة من الأمور التي لا تقبل الانتظار.
لا يهدأ للحاجة بال حتى تطمئن على فلذات كبدها من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحصيلهم اليومي ومأكلهم وعودتهم الى منازلهم عبر النقل الخاص الذي توفره الجمعية لهم.
تتفقد الحاجة فجأة مظاهر الكرم المعروف عنها عند كل زيارة.. الشاي والقهوة وما رفقهما من حلويات ومشتهيات أخرى، وما يكاد اليوم يسدل ستاره حتى تدعو أطر الجمعية وإدارييها لاجتماع روتيني تضبط خلاله تقارير وحسابات اليوم، مع إعطاء توجيهات في ما يتعلق بوجبات الغذاء لليوم الموالي الخاصة بنزلاء التربية الخاصة والمهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء. فجأة يصطف بعض الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لتوديع الحاجة حورية عراض بعد نهاية حصصهم الدراسية، بتقبيل رأسها مرددين أدعية لها بدوام الصحة بالكاد تفهم، لكنها نابعة من قلوب صافية صفاء ماء الخلجان.
تستعرض الحاجة حصيلة اليوم رفقة مديرة الجمعية مع عرضها آخر المستجدات، قبل أن تتناول كأس قهوة خاص بها من بن تنبعث رائحته المنعشة على بعد أمتار، طبعا دون أن تنسى واجب الضيافة بنقاش هامشي حول أمور تهم الشأن المحلي السياسي منه والاجتماعي الذي تعيشه مدينة الألف، وبدون سابق إنذار تغادر الحاجة مكانها لاستقبال شخصية مهمة أو لأداء الصلاة أو الوقوف على طارئ، وهي متعودة على ذلك، وأصبح من عداد برنامجها اليومي.
في معرض حديثها عن مشوارها مع جمعية الشبيبة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تنسى الحاجة حورية أشخاصا آمنوا بقدراتها ودعموها، وعلى رأسهم شخص لا يسمع صوته كثيرا بالجمعية، لكنه يشكل قطب الراحة بالمؤسسة والمرجع والسند، إنه زوجها الذي يعكف على مراجعة التقارير والوقوف على ضبط ومراقبة المؤونة والوقوف على توزيع الحصص اليومية على الطباخين بالجمعية و مركز المهاجرين الذي تشرف الجمعية على تسييره وبالإضافة إلى زوجها تذكر الحاجة حورية باعتزاز وفخر مسؤولين وشخصيات ساعدوها لتخطي العواصف بقامة منتصبة ودون انحناءة رأس.
وأنت في حضرة الحاجة حورية عراض، تحس بأنك جزء من هذه المنظومة، حيث النقاش المفتوح المتسم بالحميمية والكرم الحاتمي والاستعداد على تقديم الخدمات في حدود ما يسمح به القانون. فحتى طريقة توديعك من طرف الحاجة حورية لها طقوسها الخاصة، قد تغنيك عن أي حرج، وتبدأ من مراجعتها كل الأمور استعدادا لاستقبال اليوم الموالي، وتنتهي بأدائها لصلاتها المفروضة قبل أن ينصرم وقتها.
• زائر

