
لوريونطال: إدريس قيسامي
أحد الأسماء اللامعة التي ارتبطت بالعصر الذهبي للكرة البركانية، لاعب احتفظ بتوازنه داخل الميدان وتواضعه رغم عظم إنجازاته مع فريقه الأم، نهضة بركان والمنتخب المغربي. عرفته الجماهير الرياضية بأخلاقه العالية وصراعه النظيف والمشروع مع الخصم للاستحواذ على الكرة، خلف وراءه أهدافا خالدة تأبى السقوط من الذاكرة الرياضية البركانية والوطنية. اشتهر بأهدافه الرائعة التي أحرزها من مسافات بعيدة وبضربات صاروخية تكاد تمزق الشباك.
هذا المهاجم هَلَّ علينا كالبدر في ليلة التمام، ونحن نواصل الإبحار في الذاكرة الكروية البركانية بماضيها الحافل بالانجازات.
إنه اللاعب المتميز والخلوق احميدة بوسحابة أحد نجوم نهضة بركان في حقبة السبعينيات والثمانينيات، وأحد أبرز المهاجمين الذين جادت بهم البطولة الوطنية وأثثوا فضاءات الإبداع رفقة المنتخب الوطني في إحدى أزهى الأيام من تاريخه الكروي.

احميدة بوسحابة مزداد بمدينة بركان سنة 1954، موظف سابق بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، متزوج وأب لابنين، أمين وجهاد التي انتقلت إلى جوار ربها. حمل بوسحابة رقم 9 في جميع المقابلات ومع جميع الفرق التي لعب لها غير نهضة بركان، لعب للمنتخب المغربي خلال سبع مناسبات، ضد كل من الكويت، السينغال، السعودية، هونغ كونغ، الصين، يوغسلافيا والجزائر، كما لعب لأندية النهضة البركانية وشباب بركان ومولودية وجدة موسم 1984/1983، علما بأنه تلقى في تلك الفترة عروضا من طرف الوداد والجيش والمغرب الفاسي، لكن حبه لبركان وولعه بالجهة الشرقية دفعاه للتوقيع لفريق المولودية، كما لعب لهلال الناظور لمدة شهرين وأولمبيك آسفي لمدة سبعة أشهر، قبل أن ينزع حذائه الرياضي بصفة نهائية في الموسم الكروي 1991/1990، وكانت آخر مقابلة لعبها بوسحابة صحبة النهضة ضد اتحاد الشرطة.

كانت البدايات الأولى لاحميدة بوسحابة سنة 1967 عندما اكتشفه المدرب الفذ المرحوم سعيد لوكيلي، وقتها تم ضمه إلى صفوف شباب بركان، قبل أن يتخلى عن هذا الفريق إلى غاية 1970 عندما حقق الفريق البركاني الصعود إلى القسم الوطني الثاني. كانت بركان يومها تضم فريقين وهما الشباب البركاني والاتحاد الإسلامي البركاني اللذين أدمجا في فريق واحد حمل اسم النهضة البركانية.
لم يلعب احميدة بوسحابة للفريق الجديد سوى في موسم 1972/1971، في أول مباراة للنهضة ضد اتحاد طنجة وهي المباراة التي سجل فيها بوسحابة هدف الفوز للفريق البركاني وكان عمره آنذاك 16 سنة.
تأرجحت المسيرة الكروية لبوسحابة، بين النهضة البركانية و الهلال الناظوري والمولودية الوجدية، وبعد فوز المولودية سنة 1975 ببطولة المغرب شاركت في دوري محمد الخامس الذي شاركت فيه أعتد الفرق العالمية، كدينامو كييف الأوكراني الذي كان يضم النجم بلوخين.
كانت أول مقابلة للمولودية ضد النادي الأوكراني، وانتهت نتيجتها لفائدة هذا الأخير بثلاثية نظيفة، وهو اللقاء الذي لعب خلاله بوسحابة 25 دقيقة من الشوط الثاني.
في المباراة الثانية قابلت المولودية استودينتيس دي لابلاطا الأرجنتيني، هذه المباراة شارك فيها كل من الحارس منير لهبيل والمهاجم بوسحابة لمدة 90 دقيقة، وآلت نتيجتها لفائدة المولودية بهدفين لواحد من تسجيل عبد القادر لشهب. كما شارك ضمن المولودية في دوري وهران الدولي الذي شاركت فيه مولوديتا وهران والجزائر في عهد اللاعبين بطروني وهدفي وعدة لاعبين دوليين.
منذ تلك الفترة وبوسحابة يتم استدعاؤه من طرف الناخب الوطني، حيث شارك ضمن النخبة المغربية في دوري الصداقة بالصين الشعبية، والتي لعب المغرب مباراتها النهائية أمام يوغسلافيا بعد تخطيه للجزائر بهدف اللاعب تيسير. المباراة النهائية، عرفت انتصار أصدقاء بوسحابة بضربات الترجيح، هذه الضربات التي أوقعت النجم البركاني في مأزق وهو الذي لا يجيد ضربات الجزاء، حيث كان آخر من سيقذف الكرة، وكان وقتها يعول على حوات لاعب النادي القنيطري لتسجيل ضربة الجزاء التي تتوج المغرب دون انتظار ضربة بوسحابة. وعندما نجح حوات في التسجيل طار بوسحابة فرحا بانزياح هذا الثقل من على كاهله، ويرجع الفضل أيضا في هذا الإنجاز للحارس بادو الزاكي الذي تصدى لضربة جزاء. بعد هذه الملحمة لعب بوسحابة مع النخبة الوطنية ضد السينغال بملعب الأب جيكو بالدار البيضاء، وكذا ضد الكويت بملعب الفتح الرباطي، كما شارك في المقابلة التي جمعت المنتخب المغربي بالعاصمة الرياض بالسعودية ، موسم 83/83.
يتذكر بوسحابة أنه كان يجيد تسجيل الأهداف مباشرة من الزاوية، فإذا كان الهراس يجيد الاختراق والقذف من جهة اليسار، فإن بوسحابة كان بارعا في التسجيل من الزوايا جهة اليمين، كالهدف الذي سجله في شباك اتحاد المحمدية بالقسم الوطني الأول موسم 85/86، في المقابلة التي آلت نتيجتها للنهضة بهدف يتيم، كما سجل هدفا آخر من الزاوية ضد جمعية سلا سنة 1984 قبل عشر دقائق من انتهاء المقابلة التي آلت نتيجتها لصالح النهضة بهدف لصفر، وآخر ضد نهضة طنجة بالقسم الثاني في مباراة خسرتها النهضة بأربعة أهداف لواحد.
في آخر مشواره الكروي، لعب بوسحابة لأولمبيك آسفي لمدة سبعة أشهر موسم 90/91، قرر بعدها الاعتزال نهائيا، لكن الناجم لهبيل أثناه عن الاعتزال وألح عليه في الاستمرار لموسم آخر مع النهضة البركانية التي توج رفقتها كهداف للفريق بتسعة أهداف، رغم أنه كان يبلغ من العمر 37 سنة ولم يكمل موسمه مع النهضة على بعد أربع دورات من انتهاء الدوري الوطني.
سجل بوسحابة خلال مشواره الكروي 300 هدفا، وكان بمثابة غول يرعب أعتد الحراس. وبالمناسبة نتذكر ما قاله في حقه الحارس العملاق بادو الزاكي سنوات الثمانينيات في برنامج إذاعي رياضي، عندما سئل عن المهاجم الذي يخشاهُ، إذ بدون أي تفكير قال “بوسحابة” قلب هجوم نهضة بركان. وفي حوار صحفي آخر قال الزاكي، إن بوسحابة مهاجم مرعب ويعتبره شخصيا أحسن مهاجم عرفته الميادين الرياضية المغربية، فقلما يجود الزمن بمثله…
هي إذن شهادة حية على أن بوسحابة كان لاعبا من طينة اللاعبين الكبار. في المقابل أنهى بوسحابة مشواره الكروي وفي نفسه شيء من عرين الزاكي الذي لم تلمسه أية كرة من هذا الأخير. يقول بوسحابة إن كل الحراس الذين لعب ضدهم سجل عليهم أهدافا، إلا الحارس بادو الزاكي، خلال النزالات الرسمية، غير أنه سبق أن سجل في مرماه أثناء الحصص التدريبية صحبة الفريق الوطني المغربي.
تتناسل الذكريات على اللاعب أحميدة بوسحابة، ومن بين أجمل الذكريات اختتامه لمشوار النهضة البركانية بالقسم الوطني الثاني موسم 77/76 بهدفين جميلين في مرمى اتحاد الخميسات بالخميسات وكان الهراس صاحب الهدف الثالث لفريق النهضة عن طريق ضربة جزاء، في المباراة التي انتهت لفائدة النهضة بثلاثة أهداف لهدف واحد. كما أن أول إصابة سجلتها نهضة بركان بالقسم الوطني الأول موسم 1978/1977 كانت بقدم المبدع احميدة بوسحابة في المقابلة التي جمعت نهضة بركان بالمولودية الوجدية بالملعب البلدي ببركان والتي انتهت بالتعادل (1 –1).
ومن أفضل الذكريات التي يحتفظ بها بوسحابة كذلك، تتويجه كهداف للبطولة الوطنية في قسمها الأول موسم 1986/1986، بـ 17 هدفا، دون نسيان نهاية كأس العرش ضد الكوكب المراكشي، وهي المقابلة التي حضرها الملك محمد السادس الذي كان وليا للعهد آنذاك، والتي آلت نتيجتها لأشبال حمادي حميدوش برباعية نظيفة.
أما عن أجمل أهدافه فيستحضر بوسحابة هدفه في مرمى الرجاء البيضاوي بمدينة بركان والثاني في مرمى الطاهر الرعد حارس مرمى شباب المحمدية، وهو الهدف الذي اختير كأحسن هدف لموسم 1978/1977.
وإذا كان أحميدة بوسحابة يرعب حراس المرمى بالدوري الوطني، فإنه كان لا يهاب المدافعين، بقدر ما كان يخشى إفراطهم في استعمال الخشونة المتعمدة لإيقاف زحفه نحو المرمى. ومن بين المدافعين الذين كان بوسحابة يتحاشى الاحتكاك بهم، محمد الأشهبي مدافع المغرب الفاسي سابقا ومساعد مدرب الماص رشيد الطاوسي.
تزدحم الذكريات في مخيلة احميدة بوسحابة، لكنه يتذكر بشكل جيد كيف تم إنهاء مشواره مع النخبة الوطنية بمجرد مجيء المدرب فاريا، بعد أن بصم على تألق باهر مع الإطار الوطني المرحوم محمد العماري. ويلقي بوسحابة باللائمة في هذا الإقصاء، على الجامعة الملكية التي اختلقت مبررات للاستغناء عنه، بناء على رسائل مجهولة وجهت لإدريس باموس، تشير إلى عدم انضباط بوسحابة بالفريق الوطني.
لم يكتشف بوسحابة هذه المكيدة إلاَّ بعد التحاقه بالمولودية، عندما صارحه المرحوم مصطفى بلهاشمي بفحوى الرسالة، قائلا “لقد ذبحوك وبعثوا برسالة إلى الجامعة يتهمونك فيها، بأشياء لا تليق بك ولا بلاعب كرة قدم في مستواك”. وكان التحاق بوسحابة بالمولودية حسب قوله، لا لجمع المال، ولكن لتكذيب ما قيل عنه وليبرهن للجميع، أن تلك الأقاويل لم تكن سوى زورا وبهتانا، وأن الشخص الذي كان يريد الانتقام منه تأتى له ذلك، مضيفا أن المدرب فاريا شاهد على أقواله والدليل على ذلك أن مدرب الجيش الملكي آنذاك والفريق الوطني عانق بوسحابة ووعده خيرا عقب مقابلة ربع النهاية بوجدة والتي جمعت المولودية بالجيش وانتهت بالتعادل بهدف لمثله.





