
حين يُذكر اسم عمر حامدي، فإننا لا نستحضر مجرد لاعب متعدد المهارات، بل نستحضر رمزاً نادراً لرياضي استثنائي جمع بين براعة الأداء، وحنكة التسيير، وثراء التجربة. فهو ليس فقط أحد أبرز الوجوه التي بصمت تاريخ الرياضة البركانية، بل هو أحد أولئك القلائل الذين تمكنوا من التوهج في ثلاث رياضات جماعية في آن واحد: الريكبي، كرة اليد، وكرة السلة.

في لعبة الريكبي، حيث الصلابة والدهاء التكتيكي، سطع نجم عمر حامدي بقميص الاتحاد الرياضي الوجدي، قبل أن تحمله كفاءته إلى تجربة احترافية مرموقة مع نادي نيس الفرنسي في القسم الوطني الأول، ليحظى بعدها بشرف تمثيل المنتخب الوطني المغربي، رافعاً راية الوطن على المستطيلات الخضراء الأوروبية.

لكن حكاية عمر لم تتوقف عند حدود الريكبي؛ فقد نقل حماسه وقيمه الرياضية إلى ميادين كرة السلة وكرة اليد، لاعباً ومؤطراً ومسيراً، ليمنح لهذه الرياضات قيمة مضافة نابعة من عشق خالص وتجربة ميدانية عميقة. وقلّما نجد رياضياً بمثل هذا التعدد والإخلاص.

وإذا كانت الملاعب قد شهدت تألقه كلاعب، فإن مكاتب التسيير الرياضي عرفت فيه الرئيس المنتدب النموذجي لفريق نهضة بركان، رجل القرارات الحكيمة والرؤية الشاملة، حيث جمع بين المعرفة القانونية، والتكوين العلمي، والتجربة الميدانية. لقد آمن دوماً بأن الرياضة مشروع متكامل، وأن التغيير لا يحدث إلا بتصور واضح وإرادة قوية.
في هذا الجزء من “بطل في الذاكرة”، نسلط الضوء على مسيرته كلاعب في معاقل الاتحاد الوجدي، الراسينغ البيضاوي، نيس الفرنسي، ومدينة غراس ، كما نستعرض حضوره المتميز في عالم كرة السلة وكرة اليد، ومساهماته رفقة المنتخبات الوطنية. قصة عمر حامدي ليست مجرد ذكريات، بل هي صفحات من مجد رياضي يليق بأن يُروى للأجيال.
- عمر حامدي.. من بيت الأبطال انطلقت الحكاية
- بدايات من ذهب بين ألعاب القوى، الكرة المستطيلة، والسلة الوجدية
وراء كل مسيرة رياضية متألقة، هناك جذور راسخة وأسماء صنعت الفارق في صمت.. ولعل قصة عمر حامدي لا تخرج عن هذا السياق، فقد كانت البداية الأولى لمشواره الرياضي في موسم 1965–1966، داخل بيت تنفس الرياضة بكل جوارحه. الفضل في اكتشاف موهبته وصقلها يعود إلى أخيه الأكبر المرحوم محمد حامدي، أحد أبطال ألعاب القوى في تخصصات رمي الجلة، القرص، والرمح، والذي شكّل بمعية زميله طالبي رحال ثنائياً ذهبياً في ميادين القوة، حيث كان هذا الأخير يتألق في القفز الطويل، الحواجز، والقفز بالزانة.

كان البيت عابقاً بروح التحدي والانضباط، ولم يكن من الغريب أن يحمل عمر مشعل العائلة نحو ميادين أخرى. وكان للمرحوم محمد دور محوري في توجيهه نحو الكرة المستطيلة، من خلال علاقته الوثيقة بالفرنسي جانيك ، أحد المؤسسين الأوائل لنادٍ متعدد الرياضات، جمع بين الريكبي، ألعاب القوى، والمصارعة. هنا، بدأت ملامح بطل تتشكل.
أما في كرة السلة، فقد جاءت الانطلاقة بشكل مفاجئ سنة 1969 ضمن صفوف مولودية وجدة، في مباراة خالدة ضد الاتحاد الإسلامي البركاني ، تمكنت خلالها المولودية من تحقيق فوز نادر، كان الأول والأخير لها أمام الفريق البركاني في تلك المرحلة. ولعب عمر السلة في البداية بصدفة، لكنها كانت صدفة مباركة قادته إلى فريق عريق تحت إشراف المدرب القدير مصطفى بلماحي، المعروف بخصاله الأخلاقية والانضباطية العالية.
وكان على رأس الفريق آنذاك السيد بن علي التهامي، مندوب الشبيبة والرياضة، الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الرياضة الوجدية والجهة الشرقية، سواء كمدرب وطني، أو حكم دولي، أو مسيّر رياضي من الطراز الرفيع. إلى جانبه، برزت أسماء أخرى وازنة، مثل السويلمي والمرحوم مصطفى بلهاشمي، الرجل الذي استندت عليه الرياضة الوجدية لعقود.
في هذا المحيط الزاخر بالكفاءات والروح الرياضية، كان من الطبيعي أن تتفتح مواهب عمر حامدي، الذي جمع بين الريكبي، كرة اليد، كرة القدم، المصارعة، والسلة، داخل نادي مولودية وجدة، وكأنه ولد ليكون رياضياً شاملاً لا يؤمن بالحدود بين الرياضات.
لقد كانت بداياته بمثابة البركان الصامت الذي راكم القوة والتجربة قبل أن ينفجر إبداعاً وتألقاً في سماء الرياضة الوطنية والدولية.

- من الملاعب إلى ميادين التسيير والاعتراف الدولي
لم يكن نجمنا مجرد لاعب رياضة واحدة، بل كان عاشقًا لكل ما يمت بصلة للحركة والتنافس الشريف. فقد تعددت مواهبه وتنوعت ميادينه، فكان يمارس كرة اليد مساء كل سبت، ويخوض مباريات كرة السلة صباح كل أحد، قبل أن يختتم عطلة نهاية الأسبوع بممارسة الكرة المستطيلة في زواله. رفيق دربه حسن لعيوني لم يكن أقل تنوعًا، إذ جمع بين كرة اليد وكرة السلة وكرة القدم وألعاب القوى التي برع فيها، وكان أول مغربي يتجاوز عتبة المترين في القفز العالي، إلى جانب تألقه في كرة اليد.
في رياضة الريكبي، انطلق من النادي الجامعي البيضاوي، قبل أن يشد الرحال إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا في الاقتصاد. وهناك، التحق بفريق نيس الفرنسي أحد أندية الصفوة في القسم الأول، ومنه استُدعي للمنتخب الوطني. استمرت مغامرته مع فريق نيس من 1978 إلى 1982، ثم انتقل إلى فريق مدينة “غراس، حيث لعب من 1982 إلى 1984، وارتدى قبعة اللاعب والمدرب، كما أشرف على تأطير الفئات الصغرى، التي سرعان ما صعدت إلى صفوف الفريق الأول.

لكن مسيرته لم تتوقف عند حدود المستطيل الأخضر أو ملعب الريكبي، فقد حمل مشعل التسيير مباشرة بعد اعتزاله. فمنذ سنة 1988، تولى عضوية الجامعة الملكية للريكبي، ورئاسة لجنتها الرياضية، كما ترأس عصبة وجدة لثلاث سنوات، وكان رئيسًا لفريق اتحاد وجدة للكرة المستطيلة منذ عام 1987.
وكان له كذلك مرور مهم في تسيير كرة القدم، إذ تولى منصب الرئيس المنتدب لفريق نهضة بركان عقب استقالة شكيب بلحاج. وفي تلك الحقبة، قاد الفريق إلى تكوين جيل شبان موهوب فاز ببطولة عصبة الشرق، وبرزت فيه أسماء وازنة مثل فوزي لبرازي، فؤاد زروالي، ومحمد الحسيني، بفضل إدارة رياضية محنكة قادها رجال مخلصون أمثال فشات أحمد، بومدين عبد الخالق، والطايف حفيظ، وبإشراف فني متميز من الثنائي النهاري والهاشمي لبرازي.
- الألقاب والإنجازات: مسيرة لا تُنسى
على مستوى الألقاب، كان موسم 1986–1987 استثنائيًا، حين توج رفقة اتحاد وجدة بالثنائية (البطولة والكأس)، بعدما سبق أن حقق ذات الإنجاز مع الراسينغ البيضاوي موسم 1985–1986، بمساهمة من ابن بركان سعيد شيخاوي، مفتش التربية البدنية ولاعب ومدرب بالفريق.

وشهدت الفرق الوطنية تألق العديد من أبناء بركان في الريكبي، على غرار هرنافي رفقة النادي الجامعي الرباطي، والمفتش بوعزة، وطاهري، واليوسفي ضمن الراسينغ.
في كرة السلة، نال بطولة القسم الوطني الثاني سنة 1976، وخاض نهائي البطولة مع فريق الوداد البيضاوي، بينما تُوج ببطولة القسم الثاني في كرة اليد سنة 1978.
أما كمسيّر، فقد أحرز عدة بطولات وكؤوس منذ سنة 1987، وقاد فرقه لنهائيات وطنية عديدة في فئة الشبان.
وعلى الصعيد الدولي، حاز على ميدالية استحقاق رفقة الأخ الجلطي من الجامعة الدولية للريكبي بفرنسا سنة 1997، وميدالية استحقاق من مدينة نيس سنة 1983، وأخرى من مدينة “غراس”، بالإضافة إلى الميدالية الذهبية للألعاب المدرسية والجامعية المغاربية في كرة السلة سنة 1974 بالجزائر، والميدالية الفضية في الألعاب العربية بالإسكندرية سنة 1975.

- رفاق الدرب والمدربون
في رياضة الريكبي، جاور أسماء وازنة أمثال السويلمي أحمد، الجلطي مصطفى، عباسي، عسو، بوقجة، والزاوي. أما في كرة السلة، فقد لعب إلى جانب نجوم الوداد البيضاوي كالإخوة حشاد، الإخوة هلالي، علاوي حسن، والإخوة العلمي. ومع مولودية وجدة، زامل الباي التهامي ومريد في كرة السلة، بينما جاور في كرة اليد لاعبين أمثال العيوني حسن، اللص حسن، بنزكري، الحارس بلقاسمي، وبلقاضي.
من جهة المدربين، كان السويلمي أحمد رفيق دربه في الريكبي، بينما أشرف على تدريبه بلماحي مصطفى في كرة السلة رفقة مولودية وجدة. وعلى الصعيد الوطني، تعامل مع مدربين بارزين كالبوعزاوي وزروال.
هكذا كانت مسيرة هذا البطل، متعددة الزوايا، مترعة بالإنجازات، ممتدة من ملاعب وجدة والدار البيضاء إلى ضفاف نيس وغراس، ومن ساحات التباري إلى مراكز القرار والتسيير… بطل ترك بصمته في تاريخ الرياضة المغربية، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة كرة القدم البركانية ورياضاتها الأخرى.


