
علامة بارزة من علامات الساحة الثقافية بمدينة تطوان، استطاعت بمجهودها الفردي الجبار أن تطور الفعل الثقافي والدفع به إلى مقدمة المشهد العلمي بالمدينة بخطى ثابتة وحثيثة ومحسوبة بدقة متناهية، اتصفت الأستاذة حسناء بأنها مدرسة في الأخلاق وحسن التربية قل أن يجود بهما الزمان من مثيلاتها نساء تطوان ، كما تتميز ببساطة في العيش واقتصاد في الكلام إلا ما قل ودل منه.
مربية أجيال من الطلبة والتلاميذ و المثقفين بحكم وظيفتها التي مارستها لأعوام غير قليلة في رحاب سلك التعليم، قبل أن تغادره عن طواعية وعن طيب خاطر لتركز كامل عنايتها واهتمامها لاستكمال وتتميم التراث الضخم والمشروع الأمثل الذي خلفه والدها أستاذ الأجيال المرحوم محمد داود، والمتمثل في إخراج العديد من المصنفات التي لم يمهله الزمان على إعادة النظر في محتوياتها ومضامينها قبل طبعها ونشرها. حيث اضطلعت الأستاذة حسناء بهذه المهمة الصعبة و أنفقت بشأنها أياما عديدة و ليالي طوال إلى أن تمكنت من تحقيقها تحقيقا علميا وبأدوات منهجية موضوعية رزينة وتم نشرها في أبهى حلة وأجمل منظر، وبذلك قدمت حسناء داود موسوعة متميزة لم تقتصر فقط على مدينة تطوان وتاريخها ، وإنما همت كذلك جوانب متعددة من تاريخ المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ومستهل القرن العشرين.
فلولا دقة التحقيق والبحث والتمحيص في الأوراق والملفات والوثائق والمخطوطات التي خلفها المؤلف والعلامة الألمعي والدها والتي تحتفظ بها الخزانة الداودية في تطوان ، لما رأى هذا الانجاز التاريخي النور،إضافة إلى العديد من المقالات والأبحاث التي تهم الحركة الوطنية وخاصة في منطقة الشمال المغربي.
أما وجه العملة الثاني للأستاذة حسناء داود، والذي لا يعلمه إلا النادر من ساكنة تطوان، فيتمثل في أن المعنية بالأمر تقرض الشعر في قوالب شعرية يعز على المتخصصين الحاليين في مجال القول الشعري الإتيان بمثلها، فهي بهذا تعد شاعرة مفلقة تختار مواضيعها بدقة متناهية ،مضمنة إياها شعرية مفرطة في الإحساس تستحق أن تلقب من أجلها بخنساء تطوان.
بعد أن ضاقت الخزانة الداودية – وهي في وضعها القديم- بالمترددين عليها من أصناف الباحثين والطلبة وسائر المهتمين بتراث محمد داود العلمي سواء من داخل المغرب أو خارجه، قامت الأستاذة الجليلة حسناء داود ببذل مجهودات إضافية من أجل تحويل مقر المكتبة من مكانها القديم إلى مقرها الجديد أرحب وأوسع مما كان عليه الأمر من قبل، إضافة إلى قيامها بتأسيس مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة التي ترأستها عن جدارة واستحقاق.
والأستاذة تمتاز بديناميكية ثقافية فريدة ، فهي عضو فاعل وأساسي في المجلس العلمي للمدينة ، وعنصر نشيط داخل جمعية تطاون أسمير سواء قبل استقالتها من المكتب الإداري أو بعده، إضافة إلى كونها محافظة للمكتبة أو الخزانة الداودية، ورئيسة مؤسسة محمد داود كما سلف.
رغم ما كان للأستاذة حسناء داود من أيادي بيضاء على مثقفي مدينة تطوان، ومن إعادة تأثيث المشهد الثقافي في بعده المحلي والوطني، بفضل ما أخرجته وقدمته من كنوز وعيون مخطوطات وكتب ووثائق المكتبة الداودية العامرة وجعلها في متناول الباحثين.
حيث لا يمكن الحديث عن نساء في ذاكرة تطوان، دون التوقف عند السيدة الشامخة والرفيعة حسناء داود، هذه الشخصية التطوانية الكبيرة المزدادة يوم 27 نونبر سنة 1946 بتطوان،حيث يعتبر والدها الفقيه العلامة الراحل صاحب موسوعة (تاريخ تطوان) محمد داود،من أعظم علماء المغرب،
سنة 1965 حصلت على دبلوم في اللغة العربية.ثم إجازة في أصول الدين سنة 1979.
من خلال مؤهلاتها هذه عكفت على تحقيق المصنفات التي تركها والدها.
كما وهبت عمرها كله للحفاظ على المكتبة الداودية وتنميتها وفق أحدث الأسس.
تعتبر السيدة حسناء داود أول امرأة في تطوان يتم اختيارها عضوا بالمجلس العلمي المحلي لتطوان.وكان ذلك سنة 2004.
انخرطت بفعالية في عدد من هيئات المجتمع المدني.وتركت بصمات كبيرة على هذا الصعيد.كما أسهمت في إثراء مجال التربية والتعليم.
واعترافا بجهودها العلمية والثقافية نالت أوسمة ملكية سامية،حيث وشحها الملك محمد السادس بوسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة في شتنبر من سنة 2008،
ووسام الكفاءة الوطنية من درجة ضابط سنة 2012.
كما تم تكريم الباحثة حسناء داود يوم السبت 10 أبريل 2021، بمدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان، ضمن ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي، احتفاء بدورها ومساهمتها في التعريف بالتراث المغربي والعربي وإغنائها المكتبات العربية.





